السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قصة خالي حسين في صعيد مصر، كي يعلم الناس أنه لا يأس أبدًا مع الحياة مهما كانت سوداوية الظروف.
فبعد أشهر من ولادة خالي توفي والده تاركًا خلفه تسع أخوات، بعضهن غير شقيقات، إلى جانب ثروة طائلة.
كانت بداية معاناته مع أخواته؛ حيث لم تأل أكبرهن جهدًا في محاولة قتل أخيها "الوليد" مرة، وتحريض اللصوص على سرقة أوراق الأرض والبيوت "التركة" التي تركها والداها مراتٍ أخرى.
لكن القدر الذي أوجد الأسباب كان يجنِّد من الأقارب - والأغراب أحيانًا - من يحميه ووالدته في كل محاولة.
وفي ظل هذا الصراع الذي دام في نفوس الأخوات الطامعات في الاستحواذ على الميراث الذي تركه الأب، أصرَّت الأم الحازمة على عدم تعليم ابنها حرصًا على الأرض الواسعة التي تركها والده والتي عانت كثيرًا في الحفاظ عليها.
واستجاب حسين على مضضٍ لإرضاء أمه التي ظنت أنها بإبعاده عن مشوار الدراسة الطويل وتزويجه في الوقت نفسه سوف تختصر الزمن، وتصنع رجلاً من طفل يستطيع أن يحمي أرض أبيه؛ وقد ينجب سريعًا فيداري ضعف الوحدة.
أيام قليلة جدًا وبدأ الصراع بين العروس الفتية والأم الضعيفة على حكم البيت، بينما لم يكن للزوج الطفل (13 عامًا) رأي ولا وجود بينهما، إلا عندما ينطلق صارخًا من غرفته ليلاً إلى حضن أمه بينما تودعه لطشات كفوف زوجته (20 عامًا) وركلات أقدامها ومعايرتها له بجهله.
أحيانًا كان يتحامل على نفسه؛ كاظمًا أنَّاته، مفضلاً الضرب عن تأنيب الأم واستنهاضها لقواه "الوهمية" ضد الزوجة الشرسة.
ولأن مسيرة المركب لا تتفق مع وجود قبطانين (الأم والزوجة) يقودانها؛ انتهت الزيجة سريعًا بطلاق بائن، وحملت الزوجة قبل رحيلها كل ما خفَّ وثقل بجانب "مؤخر الزواج".
إصرار وعزيمة
من جديد أرادت الأم استبدال الزوجة السابقة بأخرى أقرب نسبًا وأرق طبعًا، لكنه كان قد تعلم الدرس ورفض الانصياع للأوامر لأول مرة.
وفي اتجاه موازٍ لهذا التمرد نبتت في نفس حسين رغبةٌ جديدة في استكمال مشواره التعليمي، خاصةً أن ابن خالته - رفيق عمره- كان يسير بتفوق في هذا المسار.
وذات يوم فوجئت الأم به يدخل عليها برداء تلاميذ المدارس وحقيبتهم، فاشتعل البيت بالصراع بلا طائل؛ فقد كان إصراره شديدًا على الاستمرار في ما بدأه بمدرسة تعليم الكبار التي التحق بها والإعراض عن كل شيء ماعدا تعليمه.
مسيرة علمية
مر الزمن سريعًا حتى تخرج حسين من مدرسة المعلمين مدرسًا للمرحلة الابتدائية لعدة سنوات، ثم انتسب لكلية الآداب قسم جغرافيا، فارتقى بمجرد التخرج إلى العمل بمدارس الإعدادي والثانوي، ولم يستمر طويلاً في العمل بالتعليم؛ فقد كانت كلية الآداب في احدى جامعات صعيد مصر في بداية عملها، ففتحت بابها له وللكثيرين من زملائه معيدين بها.
وبعدها بقليلٍ التقى بشريكة حياته الحقيقية التي رزق منها بثلاثة أولاد ومثلهم من البنات، وسافر إلى أوروبا لنيل شهادة الدكتوارة، وعاد وارتقى حتى أصبح رئيس القسم، وانتقل إلى جامعة أخرى فأصبح نائبًا لرئيس الجامعة.
وكبر أبناؤه فترك لهم حرية الاختيار عند الزواج بعد الدرس الذي تعلمه من حياته الخاصة.