علمُ البلاغةِ هو أحدُ علومِ لغتنا العربية ، يختص بالصياغةِ الفنيةِ ومدى سلامة الجمل والمفردات ومطابقتِها لمُقتضى الحال. وهو علمٌ ماتعٌ ومهم ؛ لدخوله الكثيرَ من أبواب هذه اللغة.
وبعدَ قراءتي لكتابِ : *الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن (من جمع :علي بن نايف الشحود) أحببت أن أُطلعكم على جزءٍ يسير من هذا الكتاب ، حوى هذا الجزء الكثيرَ من الأسئلةِ البلاغيةِ الجميلةِ في آيات القرآن الكريم-معجزة البلاغة-، أجاب عنها: د. فاضل السامرائي، ولعلي أذكر منها :
السؤال: قال تعالى في سورة النساء: "مَن يَشفَعْ شفاعَةً حَسَنةً يكن له نصيبٌ منها ومَن يَشفَعْ شفاعَة سيئة يكن له كِفْلٌ منها وكان الله على كلّ شيء مقيتا" ِلمَ قالَ عن الشفاعة الحسنة (يكن له نصيب منها) وعن الشفاعة السيئة (يكن له كفل منها)؟
الإجابة: من معاني (الكِفل) في اللغة : النصيب المساوي، المثل . والكفيل يضمن بقدر ما كفل ليس أكثر أما (النصيب) فمطلق غير محدد بشيء معين لذلك قال الله عز وجل عن السيئة (يكن له كفل منها) ؛ لأن السيئة تجازى بقدرها " من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها" غافر 40 أما الحَسَنة فتضاعف كما قال تعالى : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " الأنعام 160. وقال عز وجل : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا " القصص 84 فقال عن حامل السيئة أن له الكفل أي المثل، أما صاحب الشفاعة الحسنة فله نصيب منها والنصيب لا تشترط فيه المماثلة وهذا من عظيم فضل الله عز وجل.
السؤال: قال تعالى في: " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ" سورة التوبة 62 فلمَ لمْ يقل أحق أن يرضوهما؟
الإجابة : إرضاء الله تعالى وإرضاء رسوله- عليه الصلاة والسلام- أمر واحد وليسا أمرين مختلفين، فمن أرضى الله تعالى فقد أرضى رسوله، ومن أرضى الرسول فقد أرضى الله عز وجل. قال تعالى: " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً" ـ النساء:80 لذلك وحد الضمير العائد عليهما للتأكيد على أن إرضاءهما واحد وسيلةً وغاية.
السؤال: قال تعالى: "وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" البقرة:80 وقال سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" آل عمران:24 فلماذا عبّر في الأولى عن مدة مس النار بالأيام المعدودة، وعبر في الثانية بالأيام المعدودات؟
الإجابة : جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من الجاريات، ومثلها شاهقة وشاهقات فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع. قال تعالى في آية أخرى عن يوسف عليه السلام: "وشروه بثمن بخس دراهم معدودة" أي أكثر من أحد عشر درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل. وفي الآيتين المتقدمتين قال في الأولى (أياما معدودة) وفي الثانية (أياما معدودات) لأن الذنوب التي ذُكرت في الأولى أكثر فجاء بمعدودة التي تفيد الكثرة، والتي ذكرت في الثانية أقل فاستعمل (معدودات) مناسبة لمعنى كل منهما.
.............
في هذه اللمحات البسيطة تتضح لنا قوة بلاغة هذا القرآن المُعجِز الذي أسأل الله أن يجعله ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وشفيعًا لنا يوم نلقاه.
هذا ماتيسَّر إيرادُه وتهيأ إعدادُه وأعانَ الربُ على خطِّه ‘‘
وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومضة :* الكتابُ موجودٌ في هذا القسم في موضوع[ مكتبةِ اللغة العربية] للأخ : إبراهيم –جزاه الله كلَّ الخيرِ-
أتمنى الفائدة للجميع
~ فائق احترامي ~ المسلم
L&M المشرف العام
عدد الرسائل : 781 العمر : 34 التقييم : علم دولتك : تاريخ التسجيل : 15/08/2008